بسمة كوارع.. وعدت والدها بالتفوق فأهدته نجاحها في قبره

دموع الفرح تخالطها عبرات الحزن، سالت على خدي الطالبة "بسمة محمد كوارع " من مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، لحظة سماعها بنبأ تفوقها في الثانوية العامة وحصولها على معدل 96.7 بالفرع العلمي, لتعود بالذاكرة عاما إلى الوراء حيث ودعت في نفس هذا التوقيت والدها وثلة من أبناء عائلتها شهداء في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

"بسمة" كانت قد عاهدت والدها الشهيد ألا تزور ضريحه إلا وهي تحمل بين يديها شهادة تفوقها، وتهديها إليه، لتوفي بعهدها وتنطلق إلى حيث يرقد في مقبرة غرب خان يونس.

في أول زيارة قامت بها "بسمة" لضريح والدها الذي استشهد وستة من أقربائها في مجزرة عائلة كوارع بخان يونس بداية العدوان الأخير على قطاع غزة في صيف 2014, عاهدت والدها بأن تكون الزيارة القادمة يوم حصولها على الامتياز في الثانوية العامة لتمتنع بعدها عن زيارته لما يقارب العام .
 

اليوم أوفت بسمة بوعدها لوالدها، فزارت قبره حاملة شهادتها وضمة من الورد الذي كانت قد زرعته في ساحة المنزل قبل رحيله, لتقول لمراسل "شمس نيوز " الذي رافقها في زيارتها إلى قبر والدتها: بعد استشهاد والدي مباشرة قمت بزيارته هنا في المقبرة، فأنا لم ألق نظرة الوداع عليه لأن إصابته كانت بالغة, ومنذ تلك الزيارة قطعت عهدي على قبره بألا أزوره إلا وأنا حاصلة على معدل عال ومتميز في التوجيهي".

وتضيف: ها أنا قد حصلت على معدل مشرف بحمد الله ووفيت بعهدي لوالدي, وأنا هنا لأبشره بنجاحي وأعلم أنه سعيد في هذه اللحظة".
 

وهي تذرف دموع مزجت بالحزن والفرح معا، جلست بسمة على ضريح والدها وبدأت تتحدث وكأنها تحاكي شخصا على قيد الحياة ,فكانت تروي له قصة إصرارها ونجاحها وتميزها من جهة ,وطموحها المستقبلي من جهة أخرى,ولتقطع عهدها الجديد بأن تواصل مسيرتها العلمية وأن تحفظ القرآن الكريم.

بعد ثمانية عشر عاما من زواج الشهيد محمد إبراهيم كوارع، أطلت مولودته البكر "بسمة" التي بنى عليها حلمه بأن يكون والد لطبيب أو طبيبة, حلم بات أقرب إلى الحقيقة بعد أن حصلت ابنته على معدل 96.7 لتؤكد نيتها الالتحاق بإحدى كليات الطب في الجامعات الفلسطينية.

 

"كوارع" التي بدت بمزاج متقلب بين الحزن والفرح تقول: أنا اليوم سعيدة بأن وصلت إلى تحقيق حلم أبي، فهو دائما ومنذ صغري كان يحثني على الدراسة ويقول لي: أريد أن تصبحي طبيبة وماهرة في عملك".
 

وتابعت القول: في نفس الوقت الذي أشعر فيه بالفرح، أنا حزينة على عدم وجود أبي معي، فهو لم يشاهد ابنته ولم يهنئني بنجاحي مثل كل عام".

لم  تذرف "بسمة" تلك الدموع وحدها، فعائلتها التي تجمعت في منزل الشهيد لتنتظر النتيجة ذرفت الدموع ذاتها، لتقول "جيهان"، وهي إحدى قريباتها، لـ"شمس نيوز" : كنا ومنذ بداية العام الدراسي على مقربة من بسمة، ونعمل على دعمها، ولكن في الواقع بسمة قوية، وكانت مصرة على أن تحصد علامة وتتميز، وها هي تحقق ما كانت تصر عليه".
 

وتضيف"تجمعنا في منزل الشهيد قبل صدور النتيجة، كان المشهد مختلفا عن أي منزل، فكانت دموع الفرح والحزن معا تذرف من عيون كل أفراد العائلة "

 

خلال أيام عام دراسي كامل كانت الطالبة "بسمة كوارع" تكتب رسالتها التي أرادت إيصالها لوالدها أولا ولقاتله ثانيا ,فكانت تدرس لاختباراتها في منزلها قبل تجهيزه، والذي كان يعدها والدها بأن تقضي مرحلة الثانوية العامة فيه .

 

تقول: والدي قبل رحيله بدأ ببناء المنزل الجديد وخصص لي غرفة لأقضي مرحلة الثانوية العامة فيها، وقضيت أيام وأشهر دراستي في هذه الغرفة".
 

وكانت "كوارع " تقضي أيامها أمام صورة لوالدها علقتها على جدار غرفتها بجانب ورقة كتبت عليها حلمها بأن تحصد أعلى المراتب، لتردف بالقول: قمت بوضع صورة لأبي في الغرفة وكنت دائما أتحدث لها وأتذكر عندما كان يدعمني ويحثني على الدراسة".
 

وتريد الطالبة كوارع من تميزها وتوفقها أن تكون رسالة لوالدها مفادها أن ابنتك حققت حلمك وستصبح طبيبة في المستقبل القريب, وأن توصل للعالم أن في غزة إرادة لن تكسرها طائرات الاحتلال ولا وابل قذائفه العشوائية .

 

وكانت طائرات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت في أول أيام العدوان الأخير على قطاع غزة منزلا لعائلة كوارع في منطقة الجورة بمدينة خان يونس جنوب القطاع، واستشهد جراء القصف تسعة أشخاص كان والد بسمة البالغ من العمر (54)عاما أكبرهم, والذي استشهد بعد أن هرع للبحث عن ابنه إبراهيم الذي كان يتواجد بالمنزل المستهدف.
 

ولم تنجب والدة الطالبة كوارع سوى بسمة وإبراهيم بعد أكثر من ثمانية عشر عاما من الزواج.

عدد الزوار 41059، أضيف بواسطة/ حسن عادل الفرا