قصة دبلوماسي الحلقة الأخيرة

 

في الحلقة الثانية تحدث سعادة السفير عن فترة عمله في أفغانستان 1979-1982 وكيف تدهورت الأوضاع هناك عام 1982، ومن ثم كان قرار أبوعمار بإنتقال سعادة السفير إلى كوالالمبور-ماليزيا. وتحدث عن التجربة الدبلوماسية هناك وعن مقابلته لرئيس الوزراء وقتها د.محاضير محمد وعن موقف ماليزيا الإيجابي في جميع الأزمات السياسية والمالية والتي عصفت بالقيادة الفلسطينة، وختم اللقاء بقصة أبوعمار أثناء حصاره بالمقاطعة.

 

في حلقة اليوم نبدأ من حيث إنتهت الحلقة الثانية ونكمل قصة حصار الرئيس أبوعمار، وكان بعدها إستفسارنا عن سبب إستقالة سعادة السفير. وأخيرا طلبنا منه كلمة يوجهها لشباب عائلة الفرا. نترككم مع الحلقة الأخيرة:

 

وأثناء الحصار الإسرائيلي على مقر القيادة في رام الله، اتصل بي الأخ أبو عمار وقال:

 

- إسمع يا أحمد، أنذَرونا بأنهم سيقتحموا المقر بعد نصف ساعة من الآن، ولكن تحت أي ظروف لن يتمكنوا مني حيا ً، وأريد على وجه السرعة أن أتحدث للدكتور محاضير باعتبار ماليزيا ترأس منظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الإنحياز.

 

كانت تلك اللحظة من أصعب اللحظات التي واجهتها في عملي، ومرت عليَّ كأنها دهر، ولم يسعفني ذلك الموقف العصيب الذي شعرت فيه بالعجزمن قول أي شيء، كان الموقف رهيباً لا يمكن التنبؤ بنتائجه ولا بنوايا الاحتلال، فتمالكت نفسي وقلت :

 

- حاضر يا أخ أبو عمار، سأعمل على ذلك فورا ً.

 

وفي التو، هيأت له الاتصال مع الدكتور محاضير الذي قال لي بعد انتهاء محادثته مع الأخ أبو عمار:

 

- إن الرئيس ياسر عرفات حملني مسؤولية كبيرة، حملني مسؤولية القدس والمسجد الأقصى، ثم ودعني  وداع شهيد .

 

وهنا تحشرج صوت الدكتور محاضير وتدحرجت دموعه من تحت نظارته ، فغلبتني دموعي أيضا ً من هول ذلك الموقف وقلت:

 

- أنقف عاجزين سيادة الرئيس !؟ إن حياة الرئيس ياسر عرفات في خطر محدق .

 

- لا .. لا.. لن نسمح لهؤلاء الأوغاد القتلة بالمساس بالرئيس عرفات .

 قالها بغضب واضح على تجهم وجهه وشرع في الاتصال بسبع رؤساء دول كبرى، هي أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين والهند وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى سكرتير عام الأمم المتحدة، وأتبَع الاتصال برسائل رسمية يحذر فيها من مغبة المساس بالرئيس ياسر عرفات، وجاءه تأكيد فوري من الرئيس جورج بوش بأنه تم إجراء الإتصالات اللازمة وقد عادت القوات الاسرائيلية إلى مواقعها حول المقاطعة.                                                                                                             

لكن للأسف قد استمر الحصار، وكانت النتيجة فيما بعد استشهاد القائد الرمز أبو عمار وكان شعوري كشعور شعبنا الذي شعر باليُتم الأُسري والسياسي .                                      

 

وتوالت الأحداث وشعرت بغصة وأسى وحزن لما آلت إليه أوضاعنا الفلسطينية فقدمت استقالتي .

 

استقالتي:

لم يعد موضوع استقالتي سرا ً حيث تناولته وسائل الإعلام  وإن القشة التي قصمت ظهر البعير هي خلاف الإخوة فاروق القدومي والدكتور محمود الزهار حول من سيرأس الوفد الفلسطيني في مؤتمر كوالالمبور الذي عقدته منظمة المؤتمر الاسلامي   في مارس 2006.

 

استدعاني رئيس الوزراء السيد عبد الله بدوي الذي خَلَف الدكتور محاضير محمد، وهو رجل فاضل وصديق قديم تربطني به علاقات شخصية وأسرية وطيدة ويُعرف في ماليزيا بلقب "الرجل العادل النظيف" وشغل عدة مواقع هامة في الدولة كان آخرها وزيرا ً للخارجية، وأول ما قابلته قال:

 

- أخي أحمد ، أنت تعلم بأن نجاح المؤتمر يهم الجميع، ولا نريد أن يتحول إلى صراعات فلسطينية فلسطينية لا داعي ولا مبرر لها، وإن جلسة الافتتاح ستستغرق ساعة فقط، ولا يهم من سيرأس الوفد الفلسطيني، وبرغم ذلك ولحل الإشكال، فقد وضعنا مقعدين متجاورين لكل من القدومي والزهار، وأرجو أن يكون ذلك حلاً مقبولاً،  وأنا أعتمد على حكمتك في ذلك.

 

كان قرار نقلي إلى قبرص قد صدر، وكنت أُجهز نفسي للمغادرة إلى مكان عملي الجديد، ولكنني وعدت الرئيس بأن أحاول جاهدا ً المساهمة في حل الإشكال، وتوجهت مباشرة إلى غرفة الدكتور محمود الزهار، وقابلني الأخ مهند الحموري، الذي كان رئيساً للتشريفات في وزارة الخارجية برام الله وقال لي:

- الدكتور الزهار يسأل عنك

- فقلت الحمد لله، وأنا قادم إليه.

فدخلت، وكانت أول مرة ألتقي فيها بالدكتور الزهار، وتحدثنا مطولاً دون الوصول إلى نتيجة، وأثناء وجودي معه جاءتني حوالي عشرة إتصالات يبلغونني فيها بضرورة إنهاء الإجتماع ومقابلة الأخ فاروق القدومي. وخرجت واعدا ً الدكتور الزهار بمتابعة الحوار، وقابلت الأخ فاروق القدومي ولم نتوصل إلى نتيجة أيضاً، وكان مستاءا ً من مقابلتي للدكتور الزهار، فرفع صوته واتهمني  بالتجاوز وعدم االمسؤولية، ورغم العلاقة الحميمة بيننا، قلت له بالحرف الواحد :

 

- إن الدكتور الزهار كان يسأل عني فإن لم أقابله كوزير للخارجية، فالواجب يحتم عليّْ مقابلته كفلسطيني وإلا لو شاع الخبر في بلدنا خان يونس لكان أول من تخلَّى عني عائلة الفرا التي علمتني أصول احترام الناس، أما أنتم فتتقاتلون على مقعد لمدة ساعة أو حتى أقل، وانصرفت غاضبا ً وأبلغت رئيس الوزراء  بأنني فشلت في مهمتي.

 

وهنا لم تسمح الظروف بعد بنشر التفاصيل اللاحقة. حيث احتدمت الخلافات لا أقول بين فتح وحماس، ولكن بين القدومي والزهار، وكان خلافاً معيبا ً، على أثره قدمت استقالتي كسفير واعتذرت عن قبول أي منصب آخر، لإنه كان قد سبق للأخ فاروق القدومي أن رشحني وزيراً لخارجية حكومة الوحدة الوطنية بين فتح وحماس.

 

وكانت أمتعتي قد سُلِّمت لشركة شحن ماليزية استعداداً للذهاب إلى قبرص، فطلبت من الشركة وقف عملية الشحن، وقررت العودة إلى الوطن الحبيب ومدينتنا الغالية خان يونس، وذهبت لوداع الرئيس كما تقتضي الإجراءات والمراسم المتبعة عند مغادرة السفراء، وكان قد علم بما حدث، وبادرني بالسؤال:

 

ماذا ستفعل عند عودتك إلى غزة المسيطر عليها من قبل حماس؟

أنا ذاهب لأستقر في وطني ومع أهلي هناك

هل تقبل أن تظل سفيراً هنا إذا طلبت منك حماس ذلك؟

ضحكت وقلت، لا أنا سأقبل، ولا حماس ستطلب

ماذا لو أنا طلبت منك أن تبقى هنا، وذلك بحكم صداقتنا وعلاقتنا؟

وماذا سأفعل في ماليزيا؟

نحن في حاجة إلى خبرتك وعلاقاتك، وسأتصل بك غداً لمزير من التفاصيل إذا قبلت.

يشرفني ذلك سيادة الرئيس.

وبالفعل اتصل بي صبيحة اليوم التالي وقال:

- أحمد، إن معي رئيس معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية، وها هو سيطلعك على التفاصيل.

 

واتفقنا أن نلتقي في ذات اليوم، وتم لاحقاً تعييني مستشارا ً وباحثاً في المعهد، واسعد هذا الاتفاق الرئيس كثيراً  وهنئني بحرارة وتمنى لي مزيدا ً من النجاح والتوفيق.

 

إن هذا المعهد يتبع رئاسة الوزراء مباشرة، ويقدم للحكومة الرأي والاستشارة في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية. وإن مجال إختصاص المعهد هو العشرة دول لجنوب شرق آسيا وهي أندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند وسنغافورة وبروناي ومينمار(بورما) وفيتنام ولاوس وكمبوديا، وأضيف له الشرق الأوسط بعد أن التحقت به.

 

مارست فيه العمل بتجرد وحيادية، وبكل تواضع أقول إن ما أقدمه لفلسطين في كافة المجالات يشهد به القاصي والداني ولا أحبذ أن أدخل في التفاصيل لإن هذا واجب مقدس عليّْ وعلى كل إنسان مخلص لوطنه وشعبه، ولا يجوز ولا يحق لكائن من كان أن يَمُنَّ على شعبه ووطنه،  وهنا تأتي رسالتي لشبابنا جيل المستقبل.

 

رسالتي للشباب :

أبنائي وأحبائي،

لعل جيلكم يكون أفضل من جيلنا، وسواءاً اتفقنا كأحزاب ومنظمات أو اختلفنا، فإن القواسم المشتركة بيننا جميعا ًهي فلسطيننا وشعبنا وعدونا الغاصب. نحن حاولنا بصدق وإخلاص فنجحنا أحياناً وفشلنا في أغلب الأحيان، حاولنا عسكرياً ولم نحقق هدف التحرير ولا ما يصبو إليه شعبنا، فدمجنا السلاح بالسياسة، وحاولنا بالمقولة الشهيره للقائد الرمز أبو عمار " غصن الزيتون والبندقية "  فأنجزنا الكثير ولكننا للأسف الشديد تخلينا عن سلاحنا وتقاتلنا واختلفنا فيما بيننا، فاخترق العدو جبهتنا، وجلسنا إلى كل طاولات المفاوضات، فقُلبت علينا، ومن يأسنا لا زلنا متشبثين بأرجلها المعلقة على جسور مهترئة، تُفضي تارة إلى دول عربية لا تملك من أمرها شيئا ً وتارة بأمم ومنظمات دولية تموت وتحيا حسب حاجة سيدها.

 

أقول لكم لن يحرر فلسطين إلا الفلسطينيين وهذا هو ديدن الثورات، فما حرر الجزائر إلا الجزائريين وما حرر فيتنام إلا الفيتناميين وما أزال جدار برلين إلا الألمان. وهكذا وهكذا ...

 

إن شعبنا قد أثبت بتضحياته قدرته، وبصموده  قوته، فتخلى عمن خذله وأعطى بدمه من أعطاه، فلا تباهي على الشعب ولا مِنّْة لأحد على الوطن. وكما أن لكل شيء بداية ونهاية، فقد حان الوقت أبنائي وأحبائي أن نترك لكم دفة القيادة، ومتابعة مسيرة الفداء والعطاء حتى التحرير، دون أن نفرض عليكم  قالبا ً أو معيارا ً، بل ندع كل خياراتكم مفتوحة، سخروها لمتابعة ما نجحنا فيه وأنجزنا، وأحجموا عما فشلنا فيه وتفرقنا، فاقتربوا كثيرا ً من الأول ، أما الثاني بتاتا ً لا تقربوه، هذه وصيتي لكم.

 

" والله غالب على أمره  ولكن أكثر الناس لا يعلمون " صدق الله العظيم

 



مع الرئيس السيرلانكي لتسليم رسالة من الأخ أبوعمار وفي اليسار الأخ عبداللطيف ابوحجلة-ابوجعفر



مع رئيس إندونيسيا لتسليم رسالة من الأخ ابوعمار، على يساري د.سامي مسلم



في عشاء وداع مع ملك ماليزيا



مع نائب رئيس كوريا الشمالية لحضور إحتفالات عيدالعمال نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية



مراسم وضع إكليل على الجندي المجهول في مانيلا – الفلبين
 



في مانيلا – الفلبين لوضع إكليل على الجندي المجهول



مع سلطان بروناي في قصره لتسليم الرسالة من الأخ ياسر عرفات
 

 

عدد الزوار 77913، أضيف بواسطة/ إدارة موقع الفرا