الأسير فلنه .. خمسون عيدًا في المعتقل !

واقف على ناصية الأمل، يستحضر ذكريات شقيقه المعتقل في سجون الاحتلال "الإسرائيلي" منذ ما يزيد عن (23 عامًا)، وكلما راودته نفسه باليأس من رؤيته قبل الممات، ردد كلمات الشاعر أبو القاسم الشابي: "إذا الشعب يومًا أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر". "حكموه بمؤبد و(300 سنة)، هذه أحكام شيطانية!"، بهذه الكلمات بدأ أحمد فلنه حديثه عن شقيقه الأسير "محمد(52عامًا)"، والذي اعتقلته سلطات الاحتلال بعد تنفيذه عملية في باص "إسرائيلي"، أدّى لمقتل مستوطنة، وإصابة 10 آخرين. يروي لنا شقيقه أحمد تفاصيل الحادث، يقول: "كان محمد حاقدًا على ممارسات الاحتلال بحق أبناء شعبه، فانتفض أمام غطرسته في الانتفاضة الأولى، واعتقلته إسرائيل عام 1989، وقضى 14 شهرًا في الأسر بتهمة المشاركة في فعاليات الانتفاضة". وبعدما أفرجت سلطات الاحتلال عن أحمد، تعرّف على الشهيد عصام براهمة، والذي عزز من قناعته بضرورة الاستمرار بالعمل النضالي، فانضم وابن عمته "عطا فلنه –أسير محرر ضمن صفقة وفاء الأحرار ومبعد إلى غزة-"، إلى صفوف مجموعات "عشاق الشهادة"، ونفذوا عملية تفجير باص في مستوطنة "متتياهو" أدت إلى مقتل مستوطنة، وإصابة 10 آخرين بجروحٍ خطيرة. وعقب العملية؛ ترك أحمد عمله في الداخل المحتل، ومكث داخل بيته في قرية صفّا، قضاء مدينة رام الله بالضفة المحتلة حتّى تهدأ الأوضاع، وبعد ما يقرب 40 يومًا عاد لممارسة عمله من جديد ولكن؛ اعتقلته قوات الاحتلال على حاجز "طيار" للاشتباه به، ووصول معلوماتٍ من عملاء تفيد بتنفيذه للعملية. يقول شقيقه أحمد: "اعتقلوه وهو بعمر 29 عامًا، وتعرض لأشد أنواع التحقيق، والعزل الانفرادي لعامٍ كامل؛ للاعتراف بتنفيذه العملية، ثم صدر بحقه حكمًا بالسجن المؤبد". بين الزنازين تنقل محمد خلال فترة تحقيق طويلة، يضيف شقيقه: "حرمنا الاحتلال من زيارته، وعاقبه بالعزل في قسم تحت الأرض لوحده في سجن الرملة لمدة عامٍ كامل، وحرمنا خلالها من زيارته، وبعد الحكم عليه بالسجن المؤبد استمر الاحتلال في عقابه والانتقام منه". توالت أعوام الأسر على محمد، ومع كلِ عامٍ يزرع بذرة أملٍ بالإفراج عنه، لكنّ سلطات الاحتلال بطشت في ممارساتها ضده، فمنعت ذويه من زيارته بالسجن تحت حجة "المنع الأمني"، وإن سمحوا لأحدهم بالزيارة، فكل عامٍ واحد يزوره. وفي عام (2010)، وصله نبأ وفاة شقيقته المقربة إلى قلبه يسرا، والتي كانت آخر زيارة لشقيقها قبل (15عام) من وفاتها بسبب منع الاحتلال، ووفاة والده -الذي يشتاق لتقبيله بعيدًا عن الحواجز-، فسمّى هذا العام بـ"عام الحزن". يضيف أحمد: "منعني الاحتلال لـ (13 عامًا) من زيارة شقيقي القابع الآن في سجن ريمون، ومعظم أخوتي مثلي، بحجة أننا المنع الأمني"، ويشير إلى أنّ أهله يتعرضوا مع كل زيارة لإجراءاتٍ معقدة، وتفتيش مهين، لقاء جلسة مع شقيقهم لا تتجاوز نصف ساعة". ومع إعلان كتائب القسام لصفقة "وفاء الأحرار"، مقابل الجندي "الإسرائيلي" المختطف لدى المقاومة الفلسطينية –جلعاد شاليط-، اجتاح محمد الأمل بأنّ فجر الحرية أضحى قريبًا، إلّا أن سلطات الاحتلال رفضت إدراج اسمه ضمن الأسرى المحررين بحجة "أنه يشكل خطرًا على أمن إسرائيل"، في حين أفرجت عن رفيقه في العملية التي اعتقلا على أثرها –عطا فلنه-، وأبعدته لغزة. "الصدمة" هي العنوان الأبرز لعائلة محمد بعدما تلقت خبر رفض الاحتلال للإفراج عنه، إلّا أن السلطة الفلسطينية أخبرت العائلة بإدراج اسم محمد في صفقة مفاوضات مع الاحتلال "الإسرائيلي"، ضمن الدفعة الثالثة للأسرى القدامى. بدأت العائلة بمشروع تجهيزاتٍ لمحمد، يقول شقيقه أحمد: "بنينا بيتًا خاصًا له، وجهزنا مراسم الاستقبال، واشترينا ذبائح فرحًا بحريته، إلّا أنّنا صعقنا عندما وصلنا خبر أنّ الاحتلال رفض مجددًا ادراج اسمه ضمن المحررين". وفي آخر زيارة أجراها أحمد لشقيقه والتي لم كانت الأخيرة بالنسبة للعائلة حتى كتابة التقرير، جدد "الأسير محمد" تأكيده على أخيه أن يشتري أضحية العيد باسمه، ويوزّعها على الأقارب والمحتاجين، وطلب منه أن يعيّد جميع أرحامه وكأنّه موجود بينهم. يستذكر آخر صلاة عيد قضاها أحمد مع شقيقه، قائلًا: "كنا نذهب مبكرين إلى صلاة العيد، ونعود للبيت لنذبح الأضحية، ونوزعها على الأقارب والمحتاجين، ونتعازم ونود بعضنا. وأوصاني أن أتعامل مع الجميع كأنّه موجود، وأن أعيد ذكريات قبل 25 عام.. هو الآن رغم سجنه إلّا أنّه متواجد روحيًا معنا، وجميع العائلة توصل له المحبة والسلام".
 

عدد الزوار 23693، أضيف بواسطة/ حسن عادل الفرا