كل العواصم تفكر وتخطط ... والقدس تقرر

الكاتب: د. ناصر اللحام

انتزعت العاصمة المحتلة قرارها من بين كل العواصم ، وامام جميع الحكومات . وقد خصّت نفسها بقرار المقاومة بعدما أستهان بها القريب والبعيد ، وبعدما ظنّت جميع الاحزاب انها سيطرت عليها ، ورفعت راياتها فوق قبابها . ولم يتبق فصيل او فصيلة ، حاكم او حكومة ، يسار او يمين الا وظنّ ان القدس صارت له وفي كف يده ، ولكن الايام تثبت انهم كلهم صاروا لها ، ورهن قرارها هي .

 

الاطفال الذين ولدوا بعد وفاة ياسر عرفات هم الذين يقودون المعارك الان ، وهم الذي اوقفوا حكومة اسرائيل على قدم واحدة ، وهم الذين تسببوا بفشل احزاب اليمنين الصهيوني ، انهم اطفال بكل معنى الكلمة ، لا يقودهم مسؤول تنظيمي ولا خلية أزمة ولا مجلس شورى ولا كابينيت ، انهم امراء الشارع وقادة المرحلة القادمة .

 

في رام الله أملوا كثيرا ان تقوم جماهير غزة بانتفاضة ضد حماس ، وفي غزة دعوا ليل نهار وعلى كل سجادة صلاة ان تندلع انتفاضة في الضفة الغربية ضد الرئيس عباس ، ولكن القدس هي التي قررت وهي التي تقود وهي التي تقول . هي البوصلة وهي التي رفعت سقف المطلب الوطني الى أقصى حد وتجاوزت الانقسام وتركت المتنازعين على الحكم ينهشون ذواتهم ويشتمون بعضهم ، ومضت من دون ان تنظر اليهم .

 

وفي غالب الاحيان لم تكن القدس ممثلة في الحكومات السابقة ولا حتى بوزير ، وبعد رحيل القائد فيصل الحسيني عاش ابناء القدس اليتم السياسي بكل معنى الكلمة ، عاشوا ردحا من الزمن وهم يشعرون بالتهميش ، ولا يستشارون في قرارات تخصهم ، حتى اشتعل جسد الشهيد محمد ابو خضير فأعاد ترتيب الامور وأصلح اعوجاجها .

 

اليوم يجتمع الكابينيت الاسرائيلي ليقرر محاربة اطفال القدس ، ولا يعرف نتانياهو ووزراءه ان هذه الخطوة هي التي ستؤدي الى قتل الملكة على رقعة الشطرنج ، وتسقط القلاع وتبيد الخيول وتنحر الفيلة .

 

في نيويورك يجتمع رؤساء العالم كله ليقولوا كلاما ، في محوره ان هناك صفقة بين الشرق والغرب ، وان اتفاق ايران امريكا هو قاموس المرحلة القادمة ، وان الاتفاق مع ايران سيؤدي الى اتفاق سياسي في سوريا وبعده غزة وبعده كل المنطقة .

 

وبشان فلسطين ، فان امريكا لا تملك اية افكار جديدة ، لذلك ستقوم باعادة تدوير المواد السياسية المستهلكة ( النفايات السياسية ) لانتاج بضائع اخرى وتحاول تسويقها في الشرق الابيض المتوسط .

 

وحتى نهاية العام سيعرف الناس من دون مصدر كبير او رفيع ، اذا كانت اسرائيل قرّرت ضم الضفة مثل القدس ، ام قررت تركها لاقامة دويلة . ولكل حادث حديث . لكن زمن الاحاجي والالغاز السياسية انتهى . ومنذ العام 1936 خاض الشعب الفلسطيني ثلاث انتفاضات وعشرة حروب ، وهو شعب ان قال فعل . ان قال حربا فهي الحرب ، وان قال سلاما فهو الذي يقول .

عدد الزوار 26256، أضيف بواسطة/ حسن عادل الفرا