رحلة حصاد يحفّها شبح الموت

 

كل الهواجس والمخاوف التي طالما شعر بها المزارع رائد الفرا (40 عاماً)، في كل مرة يتوجه فيها مع مساعديه؛ لحصاد القمح والشعير في الأراضي الزراعية القريبة من السياج الأمني الفاصل، عاشها حقيقة عندما وجد نفسه في قلب الاستهداف المباشر من قوات الاحتلال ليخرج مصاباً بجروح وشظايا في أنحاء متفرقة من جسمه.

 

تحامل الفرا على آلامه وهو يروي تفاصيل نجاته من الموت، فيما بدت آثار الإصابات في وجهه ويديه وبطنه شاهدة على اللحظات العصيبة التي وجد فيها نفسه في قلب دائرة النيران.

 

يقول الفرا: "وصلت ظهر السبت (9-5) مع العمال المساعدين إلى أرض الزيني بالقرب من مقبرة الشهداء شرق جباليا، لنقوم بحصاد القمح بواسطة ماكنة الحصاد الكبيرة.. الأرض تبعد حوالي 300 متر عن السياج الحدودي".

 

وتفرض قوات الاحتلال منطقة عازلة تمتد بعمق 300-1000 متر على امتداد السياج الأمني الفاصل من جنوب القطاع إلى شماله، بما يشكل ما مساحته 17% من مساحة الأراضي الزراعية بالقطاع، وتقدم قوات الاحتلال على إطلاق النار باتجاه من يتحرك في هذه المناطق.

 

"وانهال الرصاص"

بمجرد أن حاول الفرا وفريقه البدء بالحصاد فوجئوا بوجود عطل في الماكنة فبدأوا بمحاولة إصلاحه، على عجل ليتمكنوا من إنجاز عملهم بسرعة؛ وما هي إلا لحظات حتى انهال عليهم الرصاص من داخل السياج الفاصل حيث تتمركز قوات الاحتلال.

 

وقال: "كنت أحاول تركيب جلدة في الماكنة وحولي العمال، عندما دوى الرصاص وأصاب الماكنة.. كان الوضع مخيفاً، الرصاصات انفجرت وتناثرت شظايا في كل مكان لتصيبني في رأسي وعيني وبطني ويدي".

 

وثبت سابقاً استخدام قوات الاحتلال للرصاص المتفجر الذي يحظر استخدامه ضد المدنيين، وفي الأماكن السكنية، حيث إنه يتشظى عند ارتطامه بأي جسم، ويحدث صوتًا قويًّا كالانفجار، ويصل مداه إلى ما بين 2000 – 2500 متر.

 

إصابات متعددة

وقال الفرا الذي كشف عن بطنه لتظهر الندوب التي خلّفتها الشظايا المتناثرة، فيما لُفت يده اليسرى بعد أن أصابتها كمية كبيرة من الشظايا، ولا يعرف مصير عينه التي غطيت بلاصق بعد أن أصابتها هي الأخرى شظايا تم استخراجها منها، إنه شعر بمن حوله ينقلونه إلى المستشفى قبل أن يسقط في غيبوبة لم يفق منها إلا في المستشفى.

 

وذكر أنه إلى جانب إصابته أصيب معه أحد العمال وهو كرم حدايد (34 عاماً) بشظايا أيضاً، فيما تعطلت المكانة نتيجة إصابتها بأكثر من 100 عيار ناري.

 

نهاية مبكرة للموسم

ويشعر الفرا الذي يعيل عائلة من 10 أفراد، بالمرارة لما جرى ويفكر في الموسم الذي ضُرب في أوله قائلاً: "نحن نجري وراء قوت أبنائنا نتنقل بين المدن والقرى لنعمل على الحصاد، فهذه الأيام هي موسم عملنا، هي مجرد ثلاثة أو أربعة أسابيع فقط طول السنة التي نعملها.. وفي كل مرة مخاطرة لأن الأراضي قريبة من المنطقة الحدودية".

 

وماكنة الحصاد التي كان يعمل عليها الفرا، هي واحدة من خمس ماكنات حصاد كبيرة تعمل في القطاع على عملية الحصاد الآلي وفرز الحبوب، فيما تقوم آلية أخرى بجمع أعواد القمح المحصودة؛ تمهيداً لدرسها وتحويلها إلى "تبن" الذي يعد طعامًا للحيوانات.

 

يقول الفرا: "كانت لحظات خوف اعتقدت أننا سنستشهد؛ فقد كان الرصاص كثيفاً ومباشراً.. كل مرة نذهب للحصاد يطلقون النار في محيطنا بشكل تحذيري، ولكن هذه المرة كان الرصاص مباشرًا كل مخاوفي وهواجسي السابقة عشتها والحمد الله على كل حال".

 

ويبقى المزارع الفلسطيني الذي يسعى وراء رزق أبنائه فريسة للاستهداف الصهيوني الذي لا يتوقف منذ سنوات طويلة بزعم حماية الأمن الصهيوني.

 

 

عدد الزوار 46038،